كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



وحديث أبي رزين هذا أخرجه ابن ماجه عن أبي بكر بن أبي شيبة، وعن علي بن محمد قال: حدثنا وكيع، عن شعبة به نحو ما تقدم.
وأخرجه الحاكم في المستدرك وقال: هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه.
وقال الترمذي بعد ذكره الحديث المتفق عليه في قصة استفتاء الخثعيمة: ما نصه: وقد صح عن النَّبي صلى الله عليه وسلم في هذا الباب غير حديثز والعمل على هذا عند أهل العلم من أصحاب النَّبي صلى الله عليه وسلم وغيرهم وبه يقول الثوري، وابن المبارك، والشافعي، وأحمد، وإسحاق: يرون أن يحج عن الميت.
وقال مالك: إذا أوصى أن يحج عنه حج عنه، وقد رخص بعضهم: أن يحج عن الحيِّ، إذا كان كبيرًا أو بحال لا يقدر أن يحج، وهو قول ابن المبارك والشافعي. انتهى من سنن الترمذي.
وقال النسائي في سننه: أخبرنا إسحاق بن إبراهيم، قال: أنبأنا وكيع، قال: حدثنا شعبة، عن النعمان بن سالم إلى آخر السند والمتن كما ذكرناه آنفًا عند الترمذي. اهـ.
وعن علي رضي الله عنه: أن النَّبي صلى الله عليه وسلم جاءته امرأة شابة من خثعم فقالت: إن أبي كبير، وقد أفند وأدركته فريضة الله في الحج، ولا يستطيع أداءها فيجزئ عنه أن أؤديها عنه؟ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «نعم» رواه أحمد والترمذي، وصححه. انتهى منهما بواسطة نقل المجد في المنتقى والنووي في شرح المهذب.
وقال الشوكاني في نيل الأوطار: وحديث على أخرجه أيضًا البيهقي. اهـ. وقوله في هذا الحديث: وقد أفند: أي خرف وضعف عقله من الهرم.
وقال النسائي في سننه: أخبرنا إسحاق بن إبراهيم، قال: أنبأنا جرير، عن منصور، عن مجاهد، عن يوسف بن الزبير، عن عبد الله بن الزبير، قال: جاء رجل من خثعم إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: إن أبي شيخ كبير لا يستطيع الركوب، وأدركته فريضة الله في الحج فهل يجزئ أن أحج عنه؟ قال «آنت أكبر ولده؟» قال: نعم، قال: «أرأيت لو كان عليه دين أكنت تقضيه؟» قال: نعم. قال: «فحج عنه؟» وفي لفظ للنسائي، عن ابن عباس قال: قال رجل: يا رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن أبي مات ولم يحج، أفأحج عنه؟ قال «أرأيت لو كان على أبيك دَيْن أكنت قاضيه؟» قال: نعم، قال: «فدَيْن الله أحق» وفي لفظ عند النسائي، عن ابن عباس: أن رجلًا سأل النَّبي صلى الله عليه وسلم: إن أبي أدركه الحج، وهو شيخ كبير لا يثبت على راحلته، فإن شددته خشيت أن يموت، أفأحج عنه؟ قال «أرأيت لو كان عليه دَيْن فقضيته، أكان مجزئًا؟» قال: نعم. قال: «فحج عن أبيك». اهـ. من سنن النسائي.
وحديث ابن الزبير الذي ذكرناه آنفًا عند النسائي قال المجد في المنتقى: رواه الإمام أحمد والنسائي بمعناه.
وقال الشوكاني: قال الحافظ: إن إسناده صالح. انتهى. والأحاديث بمثل هذا كثيرة.
وأما النوع الثاني من نوعي المستطيع بغيره، فهو من لا يقدر على الحج بنفسه، وليس له مال يدفعه لمن يحج عنه، ولَكِن له ولد يطيعه إذا أمره بالحج والولد مستطيع. فهل يجب الحج على الوالد، ويلزمه أمر الولد بالحج عنه لأنه مستطيع بغيره؟ فيه خلاف بين أهل العلم.
قال النووي في شرح المهذب: فرع في مذاهبهم في المعضوب إذا لم يجد ما لا يحج به غيره، فوجد من يطيعه قد ذكرنا: أن مذهبنا: وجوب الحج عليه. وقال مالك، وأبو حينفة وأحمد: لا يجب عليه، وقد علمت أن مالكًا احتج في مسألة العاجز الذي له مالك بقوله تعالى: {وَأَن لَّيْسَ لِلإِنسَانِ إِلاَّ مَا سعى} [النجم: 39] وبأنه عاجز بنفسه فهو غير مستطيع إلى الحج سبيلًا، إلى آخر ما تقدم، وبأن سعيد بن منصور وغيره رووا عن ابن عمر بإسناد صحيح: أنه لا يحج أحد عن أحد، ونحوه عن الليث ومالك، وأن الذين خالفوه احتجوا بالأحاديث التي ذكرنا وفيها ألفاظ ظاهرها الوجوب، كتشبيهه بدين الآدمي وكقول السائل: يجزئ عنه أن أحج عنه. والإجزاء دليل المطالبة، وفي بعض رواياتها أن السائل يقول: إن عليه فريضة الحج، ويستأذن النَّبي في الحج عنه، وهو صلى الله عليه وسلم لم يبين له أن الحج سقط عنه بزمانته وعجزه عن الثبوت على الراحلة، وبقوله للولد «أنت أكبر ولده» وأمره بالحج عنه.
وأما الذين فرقوا بين وجود المعضوب مالًا فأوجبوا عليه الحج، وبين وجوده ولدًا يطيعه فلم يوجبوه عليه، فلأن المال ملكه، فعليه أن يستأجر به، والود مكلف آخر ليس ملزمًا بفرض على شخص آخر، ولأنه وإن كان له ولد فليس بمستطيع ببدن، ولا بزاد وراحلة، ولو وجد إنسانًا غير الولد يطيعه في الحج عنه، فهل يكون حكمه حكم الولد؟ فيه خلاف معروف. وفي فروع الشافعية توجيه كل قول منها، فانظره في النووي في شرح المهذب وأظهرها أنه كالولد.
تنبيه:
إذا مات الشخص، ولم يحج، وكان الحج قد وجب عليه لاستطاعته بنفسه، أو بغيره عند من يقول بذلك، وكان قد ترك مالًا، فهل يجب أن يحج ويعتمر عنه من ماله؟ في ذلك خلاف بني أهل العلم، فقال بعضهم: يجب أن يحج عنه، ويعتمر عنه من تركته، سواء مات مفرطًا أو غير مفرط لكون الموت عاجله عن الحج فورًا. وبهذا قال الشافعي وأحمد.
قال ابن قدامة في المغني: وبهذا قال الحسن، وطاوس، والشافعي. وقال أبو حنيفة، ومالك: يسقط بالموت، فإن أوصى بذلك، فهو في الثلث بوهذا قال الشعبي والنخعي لأنه عبادة بدنية، فتسقط بالموت كالصلاة، واحتجوا أيضًا: بأن ظاهر القران كقوله: {وَأَن لَّيْسَ لِلإِنسَانِ إِلاَّ مَا سعى} [النجم: 39] مقدم على ظاهر الأحاديث.
بل على صريحها: لأنه أصح منها. وأجاب المخالفون: بأن الأحاديث مخصصة لعموم القران، وبأن لمعضوب وجب عليه الحج بسعيه، بتقديم المال، وأجرة من يحج عنه. فهذا من سعيه، وأجابوا عن قياسه على الصلاة، بأنها لا تدخلها النيابة، بخلاف الحج، والذين قالوا: يجب أن يحج عنه، من رأس ماله استدلوا بأحاديث جاءت في ذلك، تقتضي أن من مات وقد وجب عليه الحج قبل موته، أنه يحج عنه. منها: ما رواه البخاري في صحيحه: حدثنا موسى بن إسماعيل، حدثنا أبو عوانة، عن أبي بشر، عن سيعد بن جبير، عن ابن عباس رضي الله عنهما: أن امرأة من جهينة جاءت إلى النَّبي صلى الله عليه وسلم، فقالت: إن أمي نذرت أن تحج فلم تحج، حتى ماتت، أفأحج عنها؟ قال: «نعم حجي عنها، أرأيت لو كان على أمك دَين أكنت قاضيته، اقضوا الله فالله أحق بالوفاء». اهـ.
والحج في هذا الحديث وإن كان منذورًا فإيجاب الله له على عباده في كتابه، أقوى من إيجابه بالنذر. واستدل بالحديث المذكور بعض أهل العلم على صحة نذكر الحج، ممن لم يحج.
قال ابن حجر في الفتح: فإذا حج أجزأه عن حجة الإسلام، عند الجمهور، وعليه الحج عن النذر. وقيل: يجزئ عن النذر، ثم يحج حجة الإسلام. وقيل: يجزئ عنهما.
وقال البخاري أيضًا في كتاب: الأيمان والنذور: حدثنا آدم، حدثنا شعبة، عن أبي بشر، عن سيعد بن جبير، عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: أتى رجل النَّبي صلى الله عليه وسلم فقال له: إن أختي نذرت أن تحج، وإنها ماتت؟ فقال النَّبي صلى الله عليه وسلم. «لو كان عليها دين أكنت قاضيه؟» قال: نعم، «قال: فاقض الله فهو أحق بالقضاء»اهـ.
وقال المجد في المنتفى بعد أن أشار لحديث البخاري: هذا وهو يدل على صحة الحج، عن الميت من الوارث وغيره، حيث لم يستفصله أوارث هو أو لا؟ وشبهه بالدين انتهى.
وقد تقرر في الأصول: أن عدم الاستفصال من النَّبي صلى الله عليه وسلم أي طلب التفصيل في أحوال الواقعة، ينزل منزلة العموم القولي وإليه أشار في مراقي السعود بقوله:
ونزّلن تركَ الاستفصالِ ** منزلةَ العمومِ في الأقْوَالِ

وخالف في هذا الأصل، أبو حنيفة رحمه الله كما هو مقرر في الأصول، مع بيان الخلاف في المسائل الفقهية، تبعًا للخلاف في هذا الأصل المذكور.
ومنها: ما رواه النسائي في سننه، أخبرنا محمد بن بشار قال: حدثنا محمد قال: حدثنا شعبة، عن أبي بشر قال: سمعت سعيد بن جبير، يحدث عن ابن عباس: أن امرأة نذرت أن تحج فماتت، فأتى أخوها النَّبي صلى الله عليه وسلم فسأله عن ذلك؟ فقال «أرأيت لو كان على أختك دَيْن أكنت قاضيه؟»
قال: نعم قال: «فاقضوا الله، فهو أحق بالوفاء» انتهى.
وهذه الأحاديث، التي ذكرنا في نذر الحج، وقد بينا أن إيجاب الله فريضة الحج أعظم من إيجابها بالنذر، مع أن النَّبي صلى الله عليه وسلم أمر بقضائها وشبهها بِديْنِ الآدمي. وسنذكر أيضًا إن شاء الله أحاديث ليس فيها نذر الحج.
قال النسائي في سننه: أخبرنا أبو عاصم خشيش بن أصرم النسائي، عن عبد الرزاق، قال: أنبأنا معمر، عن الحكم بن أبان، عن عكرمة، عن ابن عباس قالك قال رجل: يا رسول الله إن أبي مات ولم يحج، أفأحج عنه؟ قال «أرأيت لو كان على أبيك دَين أكنت قاضيه؟» قال: نعم. «قال: فدين الله أحق»اهـ.
ورجال هذا الإسناد ثقات معروفون، لا كلام في أحد منهم، إلا الحكم بن أبان العدني. وقد قال فيه ابن معين، والنسائي: ثقة. وقال أبو زرعة: صالح. وقال العجلي: ثقة صاحب سنة. قال ابن عيينة: أتيت عدن، فلم أر مثل الحكم بن أبان، وعده ابن حبان في الثقات. وقال: ربما أخطأ. وإنما وقع المناكير في روايته، من رواية ابنه إبراهيم عنه، وإبراهيم ضعيف. وحكى ابن خلفون: توثيقه عن ابن نمير، وابن المديني وأحمد بن حنبل. اهـ. وقال ابن عدي: فيه ضعف. وقال ابن خزيمة في صحيحه: تكلم أهل المعرفة بالحديث في الاحتجاج بخبره وبما ذكر تعلم صحة الاحتجاج بالحديث المذكور، وليس فيه نذر الحج.
وقال النسائي في سننه أيضًا: أخبرنا عمران بن موسى قال: حدثنا عبد الوارث قال: حدثنا أبو التَّيَّاحِ، قال: حدثني موسى بن سلمة الهذلي، أن ابن عباس قال: أَمَرَت امرأة سنان بن سلمة الجهني، أن تسأَل رسول الله صلى الله عليه وسلم: أن أمها ماتت، ولم تحج، أفيجزئ عن أمها أن تحج عنها؟ قال: «نعم لو كان على أمها دين فقضته عنها ألم يكن يجزئ عنها فلتحج عن أمها» وهذا الإسناد صحيح. وفي لفظ عند النسائي أيضًا، عن ابن عباس، بإسناد آخر: أن امرأة سألت النَّبي صلى الله عليه وسلم، عن أبيها، مات ولم يحج. قال «حجي عن أبيك» وإسناده صحيح أيضًا. وأخرج ابن ماجه نحوه من حديث ابن عباس بإسناد آخر صحيح.
وقال المجد في المنتقى: وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: أتى النَّبي صلى الله عليه وسلم رجل، فقال: إن أبي مات، وعليه حجة الإسلام، أفأحج عنه؟ قال «أرأيت لو أن أباك تركَ دَيْنًا عليه أقضيته عنه؟» قال: نعم قال: «فاحجج عن أبيك» رواه الدارقطني. انتهى من المنتقى.
وقال الترمذي في سننه: حدثنا محمد بن عبد الأعلى، ن عبد الرزاق، عن سفيان الثوري، عن عبد الله بن عطاء عن عبد الله بن بريدة، عن أبيه قال: جاءت امرأة إلى النَّبي صلى الله عليه وسلم فقالت: إن أمي ماتت، ولم تحج، أفأحج عنها؟ قال «نعم حجي عنها»اهـ.
ثم قال: قال أبو عيسى: هذا حديث حسن صحيح. اهـ. وأخرج البيهقي نحوه بإسناد صحيح.
وقال الشافعي في مسنده: أخبرنا سعيد بن سالم، عن حنظلة، سمعت طاوسًا يقول: أتت النَّبي صلى الله عليه وسلم امرأة، فقالت: إن أمي ماتت، وعليها حج قال «حجي عن أمك» ولا يخفى أن حديث الشافعي هذا مرسل، ولَكِنه معتضد بما تقدم من الأحاديث وبما سيأتي إن شاء الله.
وقال مسلم بن الحجاج رحمه الله في صحيحه: وحدثني علي بن حجر السعدي، حدثنا علي بن مسهر أبو الحسن، عن عبد الله بن عطاء، عن عبد الله بن بريدة، عن أبيه رضي الله عنه، قال: بينا أنا جالس، عند رسول الله صلى الله عليه وسلم، إذ أتته امرأة فقالت: إني تصدقت على أمي بجارية، وإنها ماتت قال: فقال «وجب أجرك وردها عليك الميراث»، قالت: يا رسول الله، إنه كان عليها صوم شهر أفأصوم عنها؟ قال: «صومي عنها»، قالت: إنها لم تحج قط، أفأحج عنها؟ قال: «حجي عنها» انتهى من صحيح مسلم.
فهذه الأحاديث وأمثالها: هي حجة من قال: إن من وجب عليه الحج في الحياة، وترك مالًا وجب أن يحج عنه، وليست كلها ظاهرة في ذلك. ولَكِن بعضها ظاه رفيه كتشبيهه بِديْن الآدمي، ونحو ذلك مما تقدم. وأجاب المخالفون: بأن الحج أعمال بدنية، وإن كانت تحتاج إلى مال. والأعمال البدنية: تسقط بالموت، فلا وجوب لعمل بعد الموت، والذي يحج عنه متطوع، وفاعل خيرًا قالوا: ووجه تشبيهه بالدِّين انتفاع كل منهما بذلك الفعل، فالمدين ينتفع بقضاء الدين عنه، والميت ينتفع بالحج عنه، ولا يلزم من قضاء الدين عن أحد، أن القضاء عنه واجب، بل يجوز أن يكون قضاؤه عنه غير واجب عليه.
واحتجوا أيضًا بأن جميع الأحاديث الواردة بالحج عن الميت: واردة بعد الاستئذان في الحج عنه، قالوا: والأمر بعد الاستئذان كالأمر بعد الحظر، فهو للإباحة، لأن الاستئذان والحظر الأول كلاهما قرينة على صرف الأمر عن الوجوب إلى الإباحة.
قال ابن السبكي في جمع الجوامع في مبحث الأمر: فإن ورد حظر قال الإمام: أو استئذان فللإباحة. وقال أبو الطيب، والشيرازي، والسمعاني والإمام: للوجوب، وتوقف إمام الحرمين انتهى منه. فتراه صدر بأن الأمر بعد الاستئذان للإباحة، والخلاف في المسألة معروف، وقد ذكرنا فيه أقوال أهل العلم، في أبيات مراقي السعود في أول سورة المائدة.
ومن أمثلة كون الأمر بعد الاستئذان للإباحة: أن الصحابة رضي الله عنهم: لما سألوا النَّبي صلى الله عليه وسلم، عما اصطادوه بالجوارح، واستأذنوه في أكله، نزل في ذلك قوله تعالى: {فَكُلُواْ مِمَا أَمْسَكْنَ عَلَيْكُمْ} [المائدة: 4] فصار هذا الأمر بالأكل للإباحة لأنه وارد بعد سؤال، واستئذان.
ومن أمثلته من السنة: حديث مسلم: أأُصَلِّي في مرابض الغنم؟ قال «نعم» الحديث، فإن معنى نعم هنا: صَلِّ فيها. وهذا الأمر بالصلاة فيها للإباحة لأنه بعد الاستذئان، وخلاف أهل الأصول في مسألة الأمر بعد الحظر، أو الاستئذان معروف.
هذا هو حاصل كلامهم في المستطيع بغيره، ووجوب الحج عمن وجب عليه في الحياة، ومات قبل أن يحج وترك مالًا، وقد علمت أدتلهم ومناقشتها.
قال مقيده عفا الله عنه وغفر له: الأحاديث التي ذكرنا، تدل قطعًا على مشرويعة الحج عن المعضوب، والميت.
وقد قدمنا أن الأظهر عندنا وجوب الحج فورًا، وعليه فلو فرط، وهو قادر على الحج، حتى مات مفرطًا مع القدرة، أنه يحج عنه من رأس ماله، إن ترك مالًا، لأن فريضة الحج ترتبت في ذمته، فكانت دَيْنًا عليه، وقضاء دين الله صرح النَّبي صلى الله عليه وسلم في الأحاديث المذكورة بأحقيته حيث قال «فَدَيْنُ الله أحق أن يُقضى».
أما من عاجله الموت قبل التمكن، فمات غير مفرط، فالظاهر لنا أنه لا إثم عليه، ولا دَيْن لله عليه، لأنه لم يتمكن من أداء الفعل حتى يترتب في ذمته، ولن يكلف الله نفسًا إلا وسعها، وقد دلت الأحاديث المذكورة على جواز حج الرجل عن المرأة، وعكسه، وعليه عامة العلماء، ولم يخالف فيه إلا الحسن بن صالح بن حي.
والأحاديث المذكورة حجة عليه، وقد قدمنا أن مالكًا رحمه الله ومن وافقوه، لم يعملوا بظاهر هذه الأحاديث التي ذكرها مع كثرتها وصحتها، لأنها مخالفة عندهم، لظاهر القران في قوله: {وَأَن لَّيْسَ لِلإِنسَانِ إِلاَّ مَا سعى} [النجم: 39]. وقوله: {مَنِ استطاع إِلَيْهِ سَبِيلًا} [آل عمران: 97] والمعضوب والميت، ليس واحد منهما بمستطيع، لصدق قولك: إنه غير مستطيع بنفسه.